الجهر بالدعوة الإسلامية:
ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل ،
لاثنتي عشر ليلة خلت من ربيع الأول ، لإحدى وسبعين وخمسمائة سنة من ولادة المسيح
عليه السلام . ومات أبوه وأمه حامل به ، فكفله جده عبد المطلب ،
واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر ، اسمها حليمة السعدية . فبقي عندها نحو أربع
سنين ، ثم ردته إلى أمه . وماتت أمه عقب ذلك ، فاستمر في كفالة جده عبد المطلب إلى
أن توفي أيضا لمضي ثمان سنين من مولده صلى الله عليه وسلم ، فكفله عمه أبو طالب
أحسن كفالة .
ونشأ صلى الله عليه وسلم نشأة طيبة ، يحفظه ربه
ويكلؤه لما يريد به من كرامته ، ويهيئ له من نبوته ورسالته . وتزوج خديجة بنت
خويلد ، وهو ابن خمس وعشرين سنة ، وشهد بناء الكعبة وهو ابن خمس وثلاثين سنة ،
ووضع الحجر الأسود بيده الشريفة في موضعه بعد أن تراضت قبائل قريش . ثم آتاه الله
الكتاب والحكم والنبوة على رأس أربعين سنة من عمره صلى الله عليه وسلم .
وكان أول ما أوحى إليه قوله تعالى : "اقرأ
باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ؛ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم
لإنسان ما لم يعلم " .
ولما نزل قوله تعالى : "وأنذر عشيرتك
الأقربين" قام رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيا إلى ربه . فآمن جماعة من
السابقين إلى الإسلام كخديجة ، وعلي ، وأبي بكر ، وزيد بن حارثة ، وعثمان . ونصب
كفار قريش العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه ، واستعملوا كل أساليب الاستخفاف
والازدراء ، والتهديد والوعيد ، والإغراء والرشوة .
جاء رجل من أشراف قريش اسمه عتبة بن ربيعة إلى
رسول الله وهو في مبدأ أمره. فقال له واعدا ملاطفا :
يا ابن أخي ، إنك منا حيث قد علمت ، من خيارنا
حسبا ونسبا ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت بين جماعتهم ، وسفهت أحلامهم ،
وعبت آلهتهم ودينهم ، وكفرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر
فيها لعلك تقبل منها بعضها ) .
فقال عليه السلام : ( قل يا أبا الوليد ) .
فقال : ( يا ابن أخي ؟ إن كنت تريد بما جئت من
هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر منا مالا . وإن كنت تريد شرفا
سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك .وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا ، وإن كان
الذي يأتيك من الجن لا تستطيع رده من نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى
نُبْرَئَكَ منه ) .
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبال
بالإغراء ولا بالوعيد ؛ بل واجه كل ذلك بغاية المثابرة والمصابرة ، داعيا إلى الله
على بصيرة وهدى ، مُتَّبِعًا منهج القرآن الكريم الذي رسمه الله تعالى في قوله :
" ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ؛ إن ربك
هو أعلم بمن ضل عن سبيله ، وهو أعلم بالمهتدين " صدق الله العظيم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق