الفلاحة في وادي النيل:
كان المصريون من أوائل الشعوب القديمة التي تخلت
عن حياة التنقل والاعتماد في الغذاء على اصطياد الحيوانات والتقاط الثمار البرية .
فاستقروا وبنوا القرى والمدن بعد أن تعرفوا على الزراعة وفن إنتاج الطعام .
ولولا وادي النيل الذي يخترق صحراء مصر من
الجنوب إلى الشمال ، ما حدث ذلك التحول العظيم فمياهه الغزيرة كانت تفيض بانتظام
كل صيف لمدة كافية ، فتسقي الأراضي المستوية ، وترسب طبقة من الطمي الخصيب عليها ،
واغتنم المصري القديم تلك الظاهرة الطبيعية الملائمة فسارع إلى حرث الأرض الطرية
بفأسه الخشبي بعد إنحسار المياه عنها ، ثم لم يلبث أن طور تلك الأداة
البسيطة إلى محراث يجره ثوران ، فتمكن بذلك من توفير الوقت ، واستغلال أراضي أوسع
، وكان بذر الحبوب يتلو مباشرة عملية الحرث ثم تطلق قطعان الماشية لتردم البذور
بحوافرها ؛ ولقد طور المصريون آلاتهم الفلاحية ، فأصبحت من معادن بعد أن كانت
خشبية وتمكنوا بذلك من استغلال الأراضي بكيفية جيدة .
وكانت
المحصولات الزراعية في مصر وفيرة لخصوبة الأراضي ومضمونة لانتظام فيضان النيل ،
وإمكانية الري في غير موسم الفيضان برفع المياه بواسطة الشادوف وجلبها للحقل عبر
الترع والأقنية العديدة ، كما كانت المحاصيل متنوعة كالقمح والبصل والعنب والتين ؛
مما جعل مصرمطمع الغزاة .
أما المواشي فكان المصريون من أول من روضها ،
بعد أن تدافعت نحو شواطئ النيل بكثرة هاربة من جفاف الصحراء تطلب الماء والعشب
فبنوا الحظائر وأحاطوها بسياج حتى استأنست وتوالدت فاستخدموها للحمل والجر ،
واستغلوا لحومها ومنتجاتها .
ولم ينس الفلاح المصري القديم للنيل فضله ، فخصص
لأيام فيضانه عيدا وقدم لمياهه الهدايا والقرابين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق